في خطوة قضائية هامة تعيد التوازن إلى قضايا النفقات في محاكم الأسرة، أصدرت محكمة النقض حكمًا في الاستئنافين برقم 5559 – 8616 لسنة 139 قضائية، حيث أيد الحكم إلزام أحد الأزواج بدفع أجر مسكن للأم الحاضنة، رغم محاولاته للتملص من الالتزامات بحجة زواجه من أخرى واستقالته من وظيفته، وتوضح هذه الخطوة أهمية دعم حقوق الأمهات والأطفال.
أبرزت المحكمة من خلال قرارها مبدأً قضائيًا يُشير إلى أن زواج الزوج بزوجة ثانية لا يُعد سببًا لتقليل النفقات، بل هو دليل على قدرة مالية أكبر من تلك التي يظهرها الزوج أثناء التقاضي، فالزواج الثاني يحتاج إلى نفقات يتعين على الأزواج الميسورين تحملها، وهو ما يكشف اليسر المالي غير المرئي الذي قد يدعيه البعض أمام المحكمة.
أكد حكم النقض على أن النفقة تُحدد بناءً على اليسر الحقيقي للأب وليس الظاهر، حيث تظل التزامات الأب تجاه أبنائه قائمة بغض النظر عن زواجه الثاني أو تغير ظروفه الوظيفية، ولا يُقبل ادعاء زواج جديد كذريعة للتخلص من حقوق الأبناء أو للتهرب من الواجبات الشرعية المترتبة على الأب.
استندت المحكمة في حكمها إلى ما ينص عليه القانون من التزام الأب بنفقة أولاده، لتوفير مسكن يكفل لهم عيشة كريمة، بما يتناسب مع مقدرته المالية، فكل انفاق يقوم به الأب يعتبر إحياءً للأبناء، وعليه فإن أي تقصير يتسبب في ضياعهم هو أمر غير مقبول.
وفي السياق القانوني، يُعتبر هذا الحكم خطوة تعزيزية للعدالة الاجتماعية، حيث يعمل على إغلاق الثغرات التي تلجأ لها بعض الأزواج لتقليص نفقات نفقتهم بحجة الزواج من أخرى، ويُظهر أن النفقة ليست منحة بل واجب قانوني وشرعي، ولا تُسقط إلا عند ثبوت عجز حقيقي.
يؤكد هذا الحكم على أهمية احترام العدالة في قضايا النفقة، حيث أظهر القضاء المصري أنه ينظر إلى النفقة كأداة لحماية الطفل والمحافظة على كرامته، وليس مجرد أرقام على ورق، فكل جنيه يُنفق يعد استثمارًا في مستقبل الطفل، وأي تقصير يُعتبر إهمالاً يؤدي إلى ضياع الأجيال.
مع تزايد النزاعات الأسرية، يأتي هذا الحكم ليعيد تشكيل مفهوم المسؤولية الأبوية، مُوضحًا أن العدل هو البوصلة التي توجه المحكمة، بينما الرحمة تُعتبر الروح التي تغذي الحياة داخل القاعات، مُعززًا للقيم الإنسانية والرفاهية الأسرية.